المساواة أم التفاوت

العدل
المساواة أم التفاوت؟
إذا كان العدل هو الاستقامة في الاستحقاق، و هو الاعتدال أي التوسط بين الإفراط والتفريط، فإن مسألة تحقيق العدل ترتبط ارتباطا وثيقا بفكرة المساواة مثلما ترتبط فكرة الظلم بإحداث التفاوت بين الناس، و عليه فهل العدل يكمن في تحقيق المساواة واحترامها؟ و هل حقا أن كل تفاوت يعد ظلما ؟
إن العدل يكمن في تحقيق المساواة بحكم أن المساواة موجودة في الطبيعة و الإقرار بها أمر بديهي و قد أكد عليها فلاسفة العقد الاجتماعي و القانون الطبيعي حيث يرون أن الناس حين تعاقدوا كانوا متساوين، ومن الطبيعي أن من شروط العقد المساواة. و يرى "جون جاك روسو" وهو أحد مؤسسي نظرية العقد الاجتماعي أن هناك نوعين من التفاوت: تفاوت طبيعي و تفاوت سياسي و اجتماعي أي تفاوت أباحته مصادقة الناس كالامتيازات و الثروة و الشرف فلا ينبغي أن نتساءل على أساس تفاوت الناس في الأمور الطبيعية و إنما يجب أن نتساءل حول مشروعية التفاوت الاصطناعي الطبقي وقد قال "عمر ابن الخطاب رضي الله عنه" : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. ويقول أحد خطباء اليونان وهو"شيشرون": الناس سواء وليس شيئا أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان، إذا يوجد تناقض بين العدالة والفروق الفردية فالعدالة لا تكون إلا إذا كانت هناك مساواة بين جميع الناس. و يؤيد "شيشرون" الفيلسوف و العالم الاجتماعي الفرنسي "برودون" الذي يقول: إن العدل يكمن في احترام الكرامة الإنسانية، وهذا ما ذهب إليه كثير من الفلاسفة الاشتراكيين بموجب أنهم يتناسبون عكسا مع فكرة الملكية الفردية ... بينما يدعو "كانط" في كتابه مشروع السلام الدائم إلى نظام دولي جديد ترتكز فيه العلاقات على الديمقراطية والمساواة والعدل. كما بينت دراسة تأثير العوامل الاجتماعية أن الشروط البيئية و المعيشية و التربوية كقلة المال و الأتعاب المرهقة التي يتحملها العمال و وباءة الأكواخ القذرة تخيف الشخصيات وتقضي عليها لأنها تقف في وجه تفتح المواهب الطبيعية.
حقيقة العدل بهذا المعنى أقرب إلى المساواة منه إلى التفاوت ولكن لا يمكن اعتبار كل مساواة عدل ولا يمكن أن نساوي بين أناس غير متساوين في القدرات ودور العدالة هو مراعاة هذا التفاوت حتى يأخذ كل ذي حق حقه لأن المساواة المطلقة في كل الأمور لا يمكن تحقيقها و يقول "أرسطو": يحدث ظلم حين يحصل أناس غير متساوين على حصص متساوية.
إن العدل يكمن في احترام التفاوت القائم بين الناس و الإقرار به، لأن الناس خلقوا في الأصل متفاوتون في القدرات العقلية و الجسمية إذ هناك الذكي والغبي وهناك القوي والضعيف، فمن الطبيعي أن يرادف التفاوت الطبيعي التفاوت الاجتماعي، ومن الظلم أن نساوي بين أناس مختلفين في القدرات و الكفاءات. وعلى هذا الأساس قام المجتمع اليوناني قديما، حيث أن "أفلاطون" في جمهوريته الفاضلة يميز بين صنفين من الناس :العبيد بقدرات عقلية محدودة أوكل إليهم العمل اليدوي، و الأسياد بالقدرات العقلية الهائلة أوكل إليهم العمل الفكري كالاشتغال بالفلسفة، كما نظر "أرسطو" بعده إلى التفاوت على أنه قانون الطبيعة ويجب احترامه. ونجد هذا الموقف عند بعض المحدثين أمثال "ألاكس كاريل"وهو عالم فيزيولوجي و جراح فرنسي الذي يقول: فبدلا من أن نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة الجسمية والعقلية يجب أن نوسع من دائرة الاختلافات وننشئ رجالا عظماء؛ وهذا ما دعت إليه بعض الديانات كديانة البراهمة و الهندوس و الديانة البوذية. ونجد الفيلسوف الألماني "فريدريك هيجل" (1770-1831) يقر بتفاوت ما بين الأمم إذ توجد أمة أقوى من أمة أخرى ضعيفة، فتكون الأمة القوية بموجبها متفاوتة على غرار الأخرى. كما أن التفاوت بين الناس يؤدي إلى السعي والنشاط وإذكاء روح العمل والمبادرة و الاكتشاف والإبداع وهذا ما يقر به النظام الرأسمالي الذي يشجع روح الملكية والمبادرة الفردية.
حقيقة أن الناس مختلفون بالطبيعة و التفاوت بينهم أمر طبيعي ومقبول؛ لكن التفاوت الطبيعي ليس مبررا للتفاوت الاجتماعي المصطنع، لأنه تفاوت نتج عن ظروف طبقية وقد يتحول إلى ظلم ممقوت بين الشعوب؛ كما أن الإقرار بالتفاوت لا يؤدي إلا إلى الإحباط والشعور باليأس لأن الإنسان يدرك جيدا أنه مهما عمل و بذل من جهد سيبقى دائما في الطبقة التي قدر عليه أن يبقى فيها في ضل نظام جائر ظالم.
إن العدالة مساواة في نواحي ومجالات وتفاوت في نواحي ومجالات أخرى، وإن احترام مبدأ تكافؤ الفرص هو الأصلح للتقريب بين المساواة و اللامساواة. وقد قرب "أرسطو" من خلال نظريته في العدل بين المساواة و التفاوت مبينا عدم تنافي العدل مع المساواة بشرط أن نراعي المساواة المطلقة بين المتساوين كما في العدالة التعويضية وتبادل الأشياء وكذلك في القصاص، أما في العدالة التنويرية فإن الأساس هو المساواة النسبية بين الأفراد بحيث يجب أن نراعي فيه قدراتهم وكفاءاتهم وما بذلوه من جهد؛ ومنه نستنتج أن تعدد أنواع العدل و احترام مبدأ تكافؤ الفرص و النظر للإنسان كغاية وليس كوسيلة وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي تحكمه المؤسسات لا الأشخاص كفيل بتقريب المساواة و اللامساواة وتحقيق المساواة النسبية.

بارك الله فيك اخي اسحاق على هدا العمل الرائع والله تستاهل كل الخير اتمنى لك التوفيق في حياتك ...............اختك دليلة

شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا